مقدمة :
كتب القديس أغسطينوس ثلاثة كتب تدور موضوعاتها كلها حول "الإيمان" في خلال فترة عشرين سنة:
1. الكتاب الأول بعنوان "الإيمان والاعتراف" كُتِب عام ٣٩٣ بعد سنتين من سيامته كاهنًا.
2. الكتاب الثاني بعنوان "الإيمان بأمور لا ُترى" كتِب عام ٣٩٩ بعد مرور أربع سنوات من سيامته أسقفًا على مدينة هيبو.
3. أما الكتاب الثالث فبعنوان "الإيمان والأعمال" وقد تزامنت كتابته مع البدء في كتاب "مدينة الله" عام ٤١٣ م.
بالنسبة للكتاب الثاني "الإيمان بأمور لا ُترى" والذي يحمل العنوان الآتي باللاتينية:
DE FIDE RERUM QUAE NON VIDENTUR
فقد انتشر في بداية القرن الثاني عشر على هيئة مخطوطين:
Jumieges No ٣٢ Codex Vaticanus No ٤٦٩
وكانت الطبعة الأولى له عام ١٥١٧ م والثانية في عام ١٥٢٩. وقد أُحصي هذا الكتاب تحت أعمال أغسطينوس في رسالته رقم ٢٢٤ الموجهة إلى كودفولتيوس (Quodvulteus) وقد أكَّد ذلك العالِم (BernardusVindingus) في عام 1621 عندما نشر أعمال أغسطينوس تحت عنوان Criticus) Augustinus) حيث يوجد منها اليوم نسخة في مكتبة المتحف البريطاني بلندن تحت رقم 428654 NO.
السبب الذي كتب من أجله القديس أغسطينوس كتاب "الإيمان بأمور لا ُترى" غير معروف ولكن من سياق الحديث نجد أنه موجه إلى جماعات مختلفة من الهراطقة وغير المؤمنين ممن يسخرون من التعاليم المسيحية وفي مقدمتهم أصحاب بدعة ماني، بالإضافة إلى بعض الجماعات أصحاب فلسفة ما وراء الطبيعة أو ما يُطَلق عليهم (Metaphysics) وربما انضم إلى هذه الجماعات التي وُجِّه إليها هذا الكتاب: الوثنيون، و بعض من أصحاب البدع المختلفة.
وهؤلاء جميعًا كانوا يرون أن المسيحية كديانة لا يجب أن ُتؤخذ بمأخذ الجد لأنها توصي المؤمنين بأن يؤمنوا بأمور لا ُترى. لذلك بدأ القديس أغسطينوس في إقناع هؤلاء المعارضين للتعاليم المسيحية بأن جوهر الإيمان يتعلَّق بسلوكيات الإنسان، وبدون أن يخوض في الإيمان المسيحي، أثبت أولاً أنه من خلال المجتمع البشري فإن الإنسان يؤمن بأمور غير ملموسة، وهناك ثقة في الآخرين غير ظاهرة يراها في جاره، قريبه، صديقه حيث يقول في الفقرة الثانية: "أنت يامن لا تصدق إلا ما تراه، هوذا الماديات التي حولك تراها بعيون الجسد، أما نياتك وأفكارك الخاصة فإنك تراها بعيون عقلك إذ هي حاضرة في عقلك. ولكن أخبرني، نية صديقك نحوك... بأي عيون تراها؟ فلا يمكن أن ترى النيات بعيون الجسد." بعد ذلك يتحول القديس أغسطينوس إلى الحديث عن الأمور الإلهية، فيقول أنه إذا كنا لا نؤمن بما نراه فإن هذا يؤدي إلى انهيار السلام بين الناس وعدم تماسك المجتمع الإنساني، فكم بالحري يجب علينا أن ننظر بعين الإيمان إلى الأمور الإلهية التي لا ُترى؟
تطرَّق القديس أغسطينوس بعد ذلك إلى سرد بعض الأدلة على صدق الإيمان المسيحي؛ مستخدمًا آيات العهد القديم التي تشير إلى مجيء المسيح وميلاده من العذراء مريم، والنبوات التي أشارت إلى الكنيسة، وكيف انتشر الإيمان المسيحي في العالم.
في ختام الكتاب يتَّجه أغسطينوس إلى سامعيه ويتكلَّم بوضوح إلى رعيته من المؤمنين حيث يوصي قارئيه والمؤمنين بكلمات الرب "من له أذنان للسمع فليسمع" ضد الأعداء الخارجيين والداخليين للاهتمام بالبشارة التي تحمل اليقين بنصيب الملكوت السماوي.
لذلك فهذا الكتاب يصلح لكي يكون بحق "مدخلاً للإيمان المسيحي" إذ نجد فيه كما سبق وذكرنا إثباتات للإيمان المسيحي من خلال المجتمع البشري وأيضًا من خلال نبوات العهد القديم.
تمت الترجمة عن الترجمة الإنجليزية المنشورة في:
Nicene & Post Nicene Fathers,