كتب : محمد أبوضيف وأحمد العميدمنذ 25 دقيقة
طباعة
سحر صبحي زوجة عادل عزيز غطاس
بخطاها الهادئة، تقترب قليلًا من غرفة على جانب مدخل "كنيسة القديسين"، ثم تنحرف إلى اليمين قبل باب الغرفة المستطيلة، لتشعل شمعة، وتدعي ربها، وهي تنظر إلى الأعلى وتدمع عيناها بعد أن تتوه في السماء.. تنتهي سريعًا من صلاتها، ثم تدخل من الباب الخشبي المفتوح للغرفة الصغيرة، المعلق عليها لافتة "مزار الشهداء"، وبداخلها ملابس ممزقة، وقطع حديد وبقايا جدار ملطخ بدماء ضحايا "القديسين"، الذين أحاطت صورهم التذكارية لوحة لـ"عيسي المسيح" الملطخة بدمائهم.
إنها سحر صبحي، زوجة عادل عزيز غطاس، أحد ضحايا حادث "القديسين" الذي مر عليه عامان، وهي لا تزال تتذكره وكأنه حدث بالأمس، تروي بهدوء، وتتحرك عيناها إلى أعلى "مزار الشهداء" حيث صورة الزوج الذي فقدته واحتفظت بأبنائها، الثلاث، لتستكمل ما تبقى من حياتها معهم، متذكرة الزوج المخلص، وتحرص على زيارة النصب التذكاري له في الكنيسة.
المرأة الخمسينية، رأت "أشلاء ناس، أرجل وأذرع منفصلة عن أجسادها، رؤوس مفتوحة يخرج منها المخ. كانت تخشى الخروج حتى لاتدوس على أشلاء الضحايا"، تقول: "كنت موجودة فوق في قاعة التراتيل، ولما سمعت الانفجار، نزلت لأن أولادي مكانوش معايا"، تعترف أن كل ما خطر في بالها فقط، أولادها، وليست عابئة بأي أحد آخر، حتى زوجها الذي راح ضحية الانفجار، كانت تعتقد أن كبر سنه وخبرته بالحياة ستنجيه من قدر محتوم".
تقول صبحي، لحظات الرعب التي عاشها مئات الأقباط داخل كنيسة القديسين بالإسكندرية "لا زلت أشعر بألم ومرارة لعدم قدرتي على إنقاذ من كانوا يستنجدون بي ويمدون يدهم لي. كانوا ينزفون. لكني كنت عاجزة عن إنقاذ أحد في ظل حالة الفزع والخوف التي انتابتني على أولادي التي رحت أبحث عنهم وأنا أنظر إلى السماء، وأصرخ "يارب أولادي يارب.. أولادي يارب"، تضيف: "اتجهت سريعًا نحو الباب الذي انفجرت أمامه القنبلة، وسمعت من يقول "ارجعوا.. ارجعوا في عربية هتنفجر تاني"، ورحت أبحث عن ابنتي ذات التسع سنوات، في ساحة الدماء والأشلاء.
تمكنت زوجة عادل، من العثور على ابنتيها. في تلك اللحظة أجريت اتصالًا بزوجي فوجدت هاتفه مغلقا. حينها أبلغتني ابنتي الصغيرة أن أبيها حضر إلى الكنيسة أمام الباب في لحظة الانفجار، وأنها رأته من الطابق العلوي من الكنيسة، وأثناء التفافها ونزولها لمصافحته، حدث الانفجار، وتابعت: "في حينها أيقنت أن زوجي أصيب، ورحت سريعًا أبحث عنه ضمن المصابين أو الضحايا. لكني لم أعثر عليه"، ثم تؤكد أنها علمت بنبأ وفاته في اليوم التالي في الثالثة عصرًا عندما عرضت إحدى القنوات الفضائية أسماء الضحايا ووجدت اسمه ضمنهم.
تؤكد سحر صبحي، أن أقاربها كانوا قد علموا بوفاته قبلها، ولم يبلغها أحد حرصًا منهم على مفاجأة الصدمة وروعتها، وأنهم أخذوها إلى الدير لحضور مراسم الدفن مع باقي الضحايا.
تشير سحر إلى أن زوجها كان يتمني تلك الوفاة بل وأكدت أنه يستحقها، وتضيف "يا بختك انت كنت تتمناها ونولتها"، مشيرة إلى أنه كان يحسد ضحايا كنيسة نجع حمادي، وكان يتمني أن يلقى مصيرهم.
لم تتهم سحر، أحدا سوى نظام الحكم السابق، الذي تخاذل عن حماية الأقباط ودور العبادة بعد أن وردت رسائل تهديد بعمليات إرهابية على الكنائس، مشددة على إيمانها بأن الرب هو من سيأتي بحقوق الضحايا إن عجزت الدولة عن استعادتها، وحماية الأقباط، كما تؤكد على عدم خوفها من الإسلاميين حتى بعد أن وصلوا إلى سدة الحكم، مضيفة أنها خرجت بعد الحادث بست أيام فقط لتصلي في الكنيسة، وأنها لا تزال تحرص على زيارتها دون أي خوف.
من ناحية أخرى، تنتقد الدستور المعيب الذي تم إقراره، بعد استفتاء شارك فيه ثلث الشعب المصري، فقط، مشددة على رفضها له، بسبب ما جاء به من مواد تسلب حقوق الأقباط وباقي المواطنين حقوقهم، واصفة أن من يرفضه فقط العقلاء، وأن من يقبله يجهل حقيقته.
أما عن التعويضات التي حصلت عليها بعد الحادث، أكدت أن الكنيسة هي من وقفت بجانبها، وبجانب أسرتها، مشيرة إلى أن اندلاع ثورة يناير بعد الحادث بفترة قصيرة جذب انتباه الرأي العام عن الحادث، وجعلتها في طي النسيان، مؤكدة أن القضية مازالت مستمرة بالنسبة لهم، على الرغم من وجود أدلة، مشيرة إلى أن المحامي جوزيف ملاك، يتولى القضية. لكن حتى الآن لم تظهر أي أدلة جديدة، وأنه حتى الآن مازال الجاني مجهول.
الوطن
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]