هو ابن مدينة «بورسعيد»، لكنه يتولى الآن منصب عمدة مدينة «أشفيلد» الأسترالية. بكى أثناء حواره معنا عندما جاءَ ذكر اسم مدينته. اختنقت حروف كلماته وشرد بذكرياته لدقائق قبل أن يتمالك نفسه للحديث عن رحلة نجاحه خارج مصر. إنه موريس منصور، عضو حزب «الأحرار» الأسترالى والرئيس السابق لمركز المهاجرين ومجلس الجاليات الأفريقية وحامل الشعلة الأوليمبية لعام 2000.
سيد منصور.. المصريون هنا في أستراليا يعرفونك كـ«عمدة مدينة أشفيلد».. لكن هل لك أن تبدأ بتعريف نفسك للقارئ في مصر.
اسمي موريس عياد منصور عيسى. أشغل حاليا منصب عمدة مدينة أشفيلد الأسترالية، وهو منصب يأتى بالانتخاب الديمقراطي، أي أنني حصلت على هذا المنصب بالانتخاب وليس التعيين، رغم أنني في الأصل من مواليد حي العرب في مدينة بورسعيد عام 1950.
أرى أن لذكر كلمة «بورسعيد» وقع خاص عليك الآن، خاصة في تلك الأيام التي تشهد خلالها حالة غضب عارمة وعصيان مدني.
(بصوت يغلب عليه التأثر) نعم، فلازلت أذكر أصدقاء الصبا والطفولة في بورسعيد، الذين انقطعت أخبارهم. كما عشت في بورسعيد حروب 56 و67 و73. مازلت أذكر حواريها وشوارعها العظيمة الباسلة وشعبها البطل. مازلت أذكر المعدية التى كانت تقلنا إلى بورفؤاد، فتشعر كأنك في قطعة من أوروبا، مما شكل فى وجدانى حب تلك القارة وهواية السفر للخارج.
متى خرجت من مصر؟
سافرت عام 74 إلى العاصمة البريطانية لندن وعشت فيها حتى عام 1980. فى البداية عملت مساعدا لمدير الأغذية والمشروبات بأحد الفنادق، حصلت على دبلوم عال فى إدارة الفنادق والمطاعم عام 1979، قبل أن أتعرف على زوجتى الأيرلندية، لنهاجر بعدها إلى إستراليا.
ألم تزر بورسعيد منذ ذلك الوقت؟
زرتها عام 1980 وحزنت على جمال المدينة الذى يندثر، تماما كما يحدث لسائر مدن مصر. تغير فى الشكل والطباع وحتى درجة الوطنية. ازدادت معدلات الاعتداء الطائفي والعنف بين شعبنا عامة، رغم أن مصر تملك مقومات تجعلها من البلاد الكبرى لو نالت القيادة الجيدة التى تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان والعدل والمساواة مثل حكومة سعد زغلول.
هل يعني ذلك أنك لا ترى أن الثورة حققت أهدافها في مصر؟
أتابع أخبار مصر يومياً، وأعتقد أن الثورة العظيمة لم تتحقق أهدافها، بل للأسف أُختطفت على يد جماعة الإخوان، التي أرى أنهم يمارسون ديكتاتورية أشد من الرئيس السابق حسني مبارك. ورغم مساوىء نظام مبارك إلا أنه كان أفضل من الإخوان، فما يحدث في مصر يسير من سىء إلى أسوأ. الجنيه يهبط كالصاروخ. لم يقدم الإخوان حتى الآن رؤية علمية ديمقراطية لمستقبل مصر، ولا لمستقبل المواطن المفترض أن يحصل على أبسط حقوقه من طعام وسكن وعمل وزواج. هذه الحقوق توفرها أستراليا للأغراب المقيمين على أرضها، وقد يعترض البعض على أساس أن أستراليا دولة غنية ومصر دولة فقيرة، لكني أقول لهم أن مصر تملك المقومات مثل أستراليا لكنها لا تملك الإدارة المبدعة، ولا توجد إرادة سياسية، وعلى الحزب الحاكم أن يحترم المعارضة.
كيف يمكن ترجمة ذلك إلى قوانين؟
الدستور والقوانين التى وضعت بعد الثورة لم تحقق هدفها، ولم تمكن المصري من الحصول على كرامته وحريته ومصدر رزقه. كما يجب الابتعاد عن العصبية والتعصب المريض الذى يدمر المجتمعات. ويجب أن يُجَرم الكذب وتوضع لهُ مادةً فى قانون العقوبات، لأن الكذب من أشد الجرائم فى أستراليا وكل البلاد المحترمة المتقدمة. كذلك ينبغي عقاب المحرض العنف ومن يتاجرون باسم الدين. مصر تحتاج لإدارة تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة.
وكيف نجذب رؤوس الأموال مجددا إلى مصر؟
رأس المال جبان ويحتاج للاطمئنان بقوانين واضحة تتوافق مع النظام العالمى الديمقراطى وتحترم حقوق الإنسان والعلم. لذلك يجب أن تكون للحكومة رؤية محددة وخريطة مسقبلية معلنه لـ 20 عاما قادمةً كما تفعل البلاد المتقدمة. وجب على الحاكم أن يبتعد عن منطق «أهلي وعشيرتي» إلا من كان منهم أكفأ فى تخصصه باختيار المتخصصين.
بحكم عملك.. هل ترى أن أستراليا تفكر جديا فى التعاون الاستثمارى مع مصر؟
نحن نرحب بالتعاون الاستثمارى مع الوطن الأم مصر، شرط الاستقرار ووجود قوانين مطمئنة تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتلتزم بالاتفاقات والمعاهدات والمعايير المتعارف عليها دوليا والشفافية فى التعامل. فكيف يأتى الاستثمار إلى بلد شعبه لا يشعر بالعدالة ولا حقوق الإنسان بل منقسم على ذاته.
ما دور الحكومة المصرية في هذا الانقسام؟
على الحاكم أن يسارع فى إصلاح هذا الخلل وأن يستعين بالعقول المصرية المفكرة والمشهود لها والتى يأخذ العالم برأيها إلا مصر، وهو أمر غير معقول. عدا ذلك لن تنهض مصر وسيكون القادم هو «ثورة جياع»، وأول من سيأكله هؤلاء الجياع هو الحاكم والمسؤولين معه. نحن نتمنى الخير للوطن وعلى استعداد للتعاون وتقديم الخبرات لتنهض من كبوتها.
بالعودة إليك كنموذج لمواطن مصري نجح في الترقي والوصول إلى منصب عال بالخارج.. حدثنا عن بدايتك في إستراليا، وبداية رحلتك مع العمل السياسى؟
منذ وصلت إلى أستراليا مع زوجتي، وبعد إنجاب ابننا فيليب (الآن 28 عاما) عملتُ فى الكثير من الأعمال وافتتحت مطعما في سيدني. كان أول مطعم يقدم المأكولات المصرية والعربية في أستراليا، فأحبه الأستراليون، واشتهر حتى أصبح يرتاده المشاهير، وأصبح من زبائنه جون هوارد، رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق.
كيف إذا تحولت للعمل السياسي؟
كانت بدايتي السياسية عندما التحقت بحزب «الأحرار»، وانتُخبت رئيسا للحزب عن منطقة أشفيلد، ثم انتُخبت عضوا بمجلس البلدية عام 1995، وكنت رئيساً لمركز المهاجرين. بعدها تم اختياري لحمل الشعلة الأولمبية لعام 2000 المقامة في أستراليا، ثم ترأست مجلس الجاليات الأفريقية، المعني باستقبال مهاجري أفريقيا وتسكينهم وتقديم كافة الخدمات والأطعمة لهم ومساعدتهم في إيجاد عمل، لأن ثقافة أستراليا هى تقديم خدمات للإنسان دون النظر لجنسه أو عرقه أو دينه. أستراليا من الدول التى تعطى راتب شهرى للإنسان المقيم على أرضها حتى لو كان لا يملك الجنسية، طالما أن هذا الإنسان عاطل عن العمل.
وماذا عن منصبك الحالي؟
حاليا أتولى منصب عمدة أشفيلد، وهي مدينة ملاصقة لسيدني في ولاية «نيو ساوث ويلز». أستراليا بها عشرات اللغات والجنسيات والأديان والكل يعيش بتساوٍ أمام القانون، فأنا على سبيل المثال أستطيع الترشح لمنصب رئيس وزراء أستراليا رغم أن أصلي مصري، فالمهم هو الكفاءة والعطاء واختيار الناس. الشعب هو من يقرر ويحكم في كل شىء، ومن هو بالحكومة غداً، تراه بالمعارضة فالكل يجتهد من آجل نجاح إستراليا.
هنا نجم المجتمع الأول ليس الممثل أو لاعب الكرة أو رجل الدين، بل هو العالم الذى يقدم ابتكاراً جديداً والكاتب الذى يقدم أفكارت ومبادىء تعمق الوطنية والقدوة والشجاعة فى قول الحق ومواجهة المسؤول. كما أن المجتمع الأسترالي لا يعرف العنف في النقاش، ويستمع للمعارضين ويؤمن بالمساواة وحقوق الإنسان.
حدثنا عن الجالية العربية هنا.
الجالية العربية فى أستراليا كبيرة وتحصل على كافة حقوقها في حرية العبادة والحصول على الإجازات فى الأعياد الخاصة. بالعربي لا فرق بينهم وبين وباقى المواطنين مطلقا. الكنائس والمساجد العربية منتشرة والجالية المصرية مسالمة، ومنها الكثير المؤثر في الفكر والعلم والاقتصاد.
وماذا تقول للشباب المصري الراغب في الهجرة لإستراليا؟
أنا أدعو الشباب المصري للهجرة إلى أستراليا شرط التمتع باللغة الإنجليزية فهي مفتاح العمل خارج مصر. أستراليا تحتاج لكل عمل يدوي وحرفي مثل السباكة والنجارة والزراعة وتخصصات البناء والميكانيكا واللحام والتبريد والتكييف والدهان، وكذا التمريض. توجد في أستراليا أماكن يتقاضى فيها عامل هذه المهن 100 دولار في الساعة. فأستراليا كما يسمونها بلد الأحلام والفرص، ينجح فيها المهاجر إذا كان غير متعصب ويستطيع التعايش مع الآخر. ورغم أننا نقبل هنا 120 ألف مهاجر سنويا، للأسف نسبة المصريين فيهم لا تتعدى 500 مهاجر.
أخيرا ما هي رسالتك لأهلنا في مصر ؟
أرسل بكل تحياتي لأهلنا وشعبنا فى مصر، وأتمنى لهم ولنا نيل أحلامنا لهذا البلد، وتحقيق أهدافنا المشروعة في العيش بكرامة في بلد يحترم حقوق الإنسان ويؤمن بالعدل والمساواة لأن مصر العظيمة لا تستحق هذا الوضع المتدنى. وأدعو لمصر أن يحميها الله من دعاة التعصب والتطرف والعنف وأن يعيش شعبها فى حب وسلام.